فصل: (سورة الواقعة: الآيات 27- 40):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.البلاغة:

1- في قوله: {كأمثال اللؤلؤ المكنون} تشبيه مرسل مجمل، ووجه الشبه محذوف وهو الصون، قال الشاعر يصف امرأة بالصون وعدم الابتذال فشبّهها بالدرّة المكنونة في صدفتها فقال:
قامت تراءى بين سجفي كلة ** كالشمس يوم طلوعها بالأسعد

أو درّة صدفية غوّاصها بهج ** متى يرها يهلّ ويسجد

2- وفي قوله: {لا يصدعون عنها ولا ينزفون} فن الإيجاز وقد تقدم، فجمع في هاتين الكلمتين جميع عيوب الخمر في الدنيا.

.[سورة الواقعة: الآيات 27- 40]:

{وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (35) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكارًا (36) عُرُبًا أَتْرابًا (37) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)}.

.اللغة:

{سِدْرٍ} السدر شجر النبق.
{مَخْضُودٍ} أصل الخضد عطف العود اللين فمن هاهنا المخضود الذي لا شوك له لأن الغالب أن الرطب اللين لا شوك له وفي المختار:
خضد الشجر قطع شوكة وبابه ضرب فهو خضيد ومخضود. وقال أمية بن أبي الصلت يصف الجنة:
إن الحدائق في الجنان ظليلة ** فيها الكواعب سدرها مخضود

{طَلْحٍ} الطلح: شجر الموز، وقال أبو عبيدة: هو كل شجر عظيم كثير الشوك، قال بعض الحداة:
بشرها دليلها وقالا غدا ** ترين الطلح والجبلا

وقال الزجّاج: الطلح شجر أم غيلان فقد يكون على أحسن حال.
{مَنْضُودٍ} اسم مفعول من نضدت المتاع أي جعلت بعضه فوق بعض.
{أَبْكارًا} البكر التي لم يفترعها الرجل فهي على خلقتها الأولى من حال الإنشاء، ومنه البكرة لأول النهار والباكورة لأول الفاكهة والبكر الفتى من الإبل وجمعه بكار وبكارة وجاء القوم على بكرتهم وبكرة أبيهم.
{عُرُبًا} جمع عروب وهي المتحببة إلى زوجها عشقا له.
{أَتْرابًا} جمع ترب وهو اللذة الذي ينشأ مع مثله في حال الصبا وهو مأخوذ من لعب الصبي بالتراب أي هم كالصبيان الذين هم على سنّ واحدة، قال عمر بن أبي ربيعة:
أبرزوها مثل المهاة تهادى ** بين عشر كواعب أتراب

.الإعراب:

{وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ} كلام مستأنف مسوق للشروع في تفصيل ما أجمل أولا، {وأصحاب} مبتدأ و{ما} اسم استفهام للتعظيم في محل رفع مبتدأ و{أصحاب اليمين} خبر {ما} والجملة خبر {أصحاب} والرابط إعادة المبتدأ بلفظه كما تقدم.
{فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} خبر ثان لأصحاب أو خبر لمبتدأ محذوف أي هم في سدر و{مخضود} نعت لسدر.
{وَظِلٍّ مَمْدُودٍ وَماءٍ مَسْكُوبٍ وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} عطف على قوله: {في سدر} و{لا} في {لا مقطوعة} للنفي كقولك مررت برجل لا طويل ولا قصير ولذلك لزم تكرارها.
{إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً} إن واسمها وجملة {أنشأناهنّ} خبر و{إنشاء} مفعول مطلق.
وعبارة الكشاف: {إنّا أنشأناهنّ إنشاء}: ابتدأنا خلقهنّ ابتداء جديدا من غير ولادة فإما أن يراد اللاتي ابتدئ إنشاؤهنّ أو اللاتي أعيد إنشاؤهنّ، وعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «أن أم سلمة سألته عن قوله تعالى: {إنّا أنشأناهنّ إنشاء}، فقال: يا أم سلمة هنّ اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز شمطا رمصا جعلهنّ اللّه بعد الكبر أترابا على ميلاد واحد في الاستواء كلما أتاهنّ أزواجهنّ وجدوهنّ أبكارا فلما سمعت عائشة من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذلك قالت: وأوجعاه فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ليس هناك وجع».
{فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكارًا عُرُبًا أَتْرابًا} الفاء عاطفة وجعلناهنّ فعل ماض وفاعل ومفعول به أول و{أبكارا} مفعول به ثان و{عربا أترابا} نعتان لأبكارا.
{لِأَصْحابِ الْيَمِينِ} {لأصحاب اليمين} متعلقان بأنشأناهنّ.
{ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ} {ثلّة} خبر لمبتدأ محذوف و{من الأولين} نعت لثلّة و{ثلّة من الآخرين} عطف على ما تقدم.

.البلاغة:

1- في قوله: {وفرش مرفوعة} إن فسرت الفرش بأنها جمع فراش كان معناها على حقيقته أي مرفوعة على السرر وإن أريد بها النساء كانت كناية عن موصوف والعرب تسمي المرأة فراشا ولباسا ويدل على هذا التأويل قوله: {إنّا أنشأناهنّ إنشاء}.
2- وفي قوله: {عربا أترابا} كناية أيضا عن عودتهنّ أو نشأتهنّ في سنّ صغيرة، قالت عجوز لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «ادع اللّه أن يدخلني الجنة، فقال: إن الجنة لا تدخلها العجائز، فولّت وهي تبكي. فقال عليه الصلاة والسلام أخبروها أنها ليست بعجوز»، وعنه أيضا صلى الله عليه وسلم: «يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا بيضا جعادا مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين» والعرب جمع عروب وهي المتحببة إلى زوجها، قال المبرد: هي العاشقة لزوجها، وقال زيد بن أسلم: هي الحسنة الكلام والأتراب: هنّ اللواتي على ميلاد واحد وسنّ واحدة.

.[سورة الواقعة: الآيات 41- 56]:

{وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكانُوا يَقولونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُرابًا وَعِظامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56)}.

.اللغة:

{سَمُومٍ} السموم: الريح الحارّة التي تدخل في مسام البدن، ومسام البدن خروقه ومنه أخذ السمّ الذي يدخل في المسام.
{يَحْمُومٍ} اليحموم هو الدخان الأسود البهيم، وفي المختار:
وحممه تحميما سخم وجهه بالفحم والحمم الرماد والفحم وكل ما احترق من النار الواحدة حممة واليحموم الدخان.
{الْحِنْثِ} الذنب ويعبّر بالحنث عن البلوغ ومنه قولهم: لم يبلغوا الحنث، وإنما قيل ذلك لأن الإنسان عند بلوغه يؤاخذ بالحنث أي الذنب، وتحنث فلان أي جانب الحنث وفي الحديث: «كان صلى الله عليه وسلم يتحنث بنار حراء»، أي يتعبد لمجانبته الإثم، فتفعّل في هذه كلها للسلب.
{الْهِيمِ} الإبل العطاش التي لا تروى من الماء لداء يصيبها والواحد أهيم والأنثى هيماء، وأصل هيم هيم بضم الهاء بوزن حمر، لكن قلبت الضمة كسرة لمناسبة الياء، وعبارة السمين: والهيم جمع أهيم وهيماء وهو الجمل والناقة التي أصابها الهيام وهو داء معطش تشرب الإبل منه إلى أن تموت أو تسقم سقما شديدا.

.الإعراب:

{وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ} تقدم إعراب نظيرها قريبا فجدّد به عهدا والكلام مستأنف مسوق للشروع في تفصيل ما أجمله من أحوالهم بعد أن فصّل حال أصحاب اليمين.
{فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ} خبر ثان أو خبر لمبتدأ مضمر وقد تقدم نظيره.
{وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ} عطف على ما تقدم.
{إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ} الجملة تعليلية لا محل لها من الإعراب وإن واسمها وجملة {كانوا} خبرها وكان واسمها والظرف متعلق بمحذوف حال أو بمترفين و{مترفين} خبر كانوا.
{وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ} عطف على ما تقدم وكان واسمها وجملة {يصرّون} خبرها و{على الحنث} متعلقان بيصرّون و{العظيم} نعت.
{وَكانُوا يَقولونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُرابًا وَعِظامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} عطف أيضا وكان واسمها وجملة {يقولون} خبرها والهمزة للاستفهام و{إذا} ظرف للشرط متعلق بشيء دلّ عليه قوله: {أإنا لمبعوثون}، ألا ترى أن إذا ظرف من الزمان فلابد له من فعل أو معنى فعل يتعلق به ولا يجوز أن يتعلق بقوله: {متنا} لأنه مضاف إليه والمضاف إليه لا يعمل في المضاف وإذا لم يجز حمله على هذا الفعل ولا على ما بعد إن من حيث لم يعمل ما بعد إن فيما قبلها كما لا يعمل ما بعد لا فيما قبلها فكذلك لا يجوز أن يعمل ما بعد الاستفهام فيما قبله علمت أنه يتعلق بشيء دلّ عليه قوله: {أإنا لمبعوثون} وذلك نحشر أو نبعث ونحوهما مما يدلّ عليه هذا الكلام.
و {متنا} فعل وفاعل {وكنّا} عطف على {متنا} وكان واسمها و{ترابا} خبرها {وعظاما} عطف على {ترابا} والهمزة للاستفهام وإن واسمها واللام المزحلقة ومبعوثون خبرها.
{أَوَ آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ} الهمزة للاستفهام والواو حرف عطف و{آباؤنا} معطوف على الضمير المستكن في مبعوثون وحسن العطف على الضمير من غير تأكيد نحن لوجود الفاصل الذي هو الهمزة وقيل المعطوف عليه محل إن واسمها بعد ملاحظة تقدم المعطوف على الخبر والتقدير أإنا أو آباؤنا مبعوثون و{الأولون} نعت لآباؤنا.
{قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} كلام مستأنف مسوق للردّ على إنكارهم وتحقيقا للحق، وإن واسمها {والآخرين} عطف على الأولين واللام المزحلقة ومجموعون خبر إن، وإن واسمها وخبرها في محل نصب مقول القول و{إلى ميقات يوم} متعلقان بمجموعون و{معلوم} نعت ليوم، وقد ضمن الجمع معنى السوق فعدّي بإلى وإلا فكان الظاهر تعديته بفي.
{ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ} {ثم} حرف عطف للترتيب مع التراخي داخل في حيز القول وإن واسمها و{أيها} منادى نكرة مقصودة و{الضالون} بدل من {أيها} و{المكذبون} نعت للضالون.
{لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} اللام المزحلقة وآكلون خبر {إنكم} و{من شجر} متعلقان بآكلون و{من زقوم} بدل من قوله: {من شجر} أو عطف بيان أو نعت.
{فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ} الفاء حرف عطف ومالئون معطوف على آكلون و{منها} متعلقان بمالئون و{البطون} مفعول لاسم الفاعل وأنث ضمير الشجر لأنه اسم جنس واسم الجنس يجوز تذكيره وتأنيثه.
{فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} الفاء حرف عطف وشاربون معطوف على آكلون و{عليه} متعلقان بمحذوف حال و{من الحميم} متعلقان بشاربون.
{فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} الفاء حرف عطف وشاربون عطف على ما تقدم و{شرب الهيم} مفعول مطلق وصحّ عطف الشيء على نفسه لأنهما في الحقيقة مختلفان فالأول شرب للحميم على ما هو عليه من تناهي الحرارة وقطع الأمعاء وهو أمر عجيب في حدّ ذاته والثاني شرب للحميم على ذلك كما تشرب الهيم الماء وهو أمر أعجب وأشد غرابة..
وفي هذا التشبيه فائدتان: إحداهما التنبيه على شربهم منه والثانية عدم جدوى الشرب وأن المشروب لا ينجع فيه كما ينجع في الهيم.
{هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} {هذا} مبتدأ و{نزلهم} خبر و{يوم الدين} الظرف متعلق بمحذوف حال أي كائنا في ذلك اليوم العصيب.